معركة الوعي بعد صمت البنادق

في الوقت الذي خفت فيه ضجيج الجبهات وتراجعت أصوات المدافع على خطوط التماس، اشتعلت جبهة من نوعٍ آخر لا تقلّ سخونة ولا خطورة: جبهة “واعي”

فبينما توقفت بعض مسارات التحرير الميداني، خرج إلى العلن فريق رقمي يمني يُعرف باسم “واعي”، ليُطلق واحدة من أكثر الحملات إثارة للجدل في المشهد الإعلامي والسياسي اليمني الحديث، حملة وُصفت بأنها “تحريرٌ من نوعٍ آخر” تحرير العقول من التضليل، والفضاء الرقمي من خطاب الكراهية والتعبئة الطائفية.

حرب جديدة.. بلا دخان

منذ انطلاقها قبل ايام، ركّزت حملة “واعي” على استهداف الحسابات والمنصات التابعة لجماعة الحوثي على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر تحركات منظمة للإبلاغ عن الصفحات والحسابات التي تبثّ التحريض أو تروّج للأكاذيب.

وبحسب التقارير والإعلامية، نجحت الحملة في إسقاط عشرات الحسابات المؤثرة، بينها حسابات لناطقين رسميين ووجوه إعلامية بارزة في الجماعة، تحت وسم رمزي لافت #موسم_التفاح انطلقت موجة رقمية أربكت إعلام الحوثيين، وفرضت واقعاً جديداً في فضاءٍ كانوا يهيمنون عليه لسنوات.

توقيتٌ لافت ورسائل متعددة

ما جعل هذه الحملة محطّ اهتمامٍ وجدلٍ في آنٍ واحد هو توقيتها.

فبعد سنين من الجمود العسكري، وركود خطوط القتال في مناطق التماس، بدت الساحة بحاجة إلى معركةٍ بديلة تعيد التوازن النفسي والسياسي للشارع اليمني المؤيد للدولة والجمهورية.

هنا، قدّم “واعي” نموذجاً جديداً في إدارة الصراع: تحويل المواجهة من ميادين النار إلى ميادين الكلمة والوعي.

هذه الخطوة لا يمكن قراءتها بمعزل عن المشهد العام، فالجماعة الحوثية كانت قد كثّفت من استخدام الإعلام الرقمي لنشر خطابها، ما جعل الفضاء الإلكتروني جبهةً موازية للجبهات الميدانية.

من هنا جاءت حملة “واعي” كاستجابة طبيعية، وكنقلة نوعية في مفهوم “المقاومة الإعلامية”.

بين التأييد والجدل

لا شك أن الحملة أثارت انقساماً في الرأي العام.

ففي حين اعتبرها مؤيدوها “ضربة ذكية وضرورية” لتقويض آلة الدعاية الحوثية، حذّر آخرون من أن تتحول إلى سيفٍ قد يُستخدم لإسكات الرأي المختلف.

لكن معظم الأصوات الوطنية والإعلامية رأت فيها تحركاً إيجابياً ومنسجماً مع أهداف استعادة الدولة، عبر أدوات عصرية تتلاءم مع روح العصر الرقمي.

وكيل وزارة العدل في الحكومة اليمنية، وصف “واعي” بأنها “جبهة وطنية في الفضاء الإلكتروني”، في إشارة إلى أن المعركة ضد الحوثيين لم تعد تقتصر على ميادين القتال التقليدي، بل امتدت إلى كل شاشة وحساب ومنشور.

إعادة تعريف النصر

حين تتوقف الجبهات الميدانية، يبحث الوعي الجمعي عن بدائل تحفظ الشعور بالقدرة والمبادرة.

ولعل “واعي” أدرك هذه الحاجة، فحوّل التفاعل الرقمي إلى فعلٍ مقاومٍ له تأثير ملموس.

لقد أظهر اليمنيون، من خلال هذه التجربة، أن النصر لا يُقاس فقط بعدد الأمتار المحررة، بل بعدد العقول التي تتحرر من التضليل.

خاتمة

قد يختلف المراقبون في تقييم حملة “واعي”، لكن المؤكد أنها أعادت فتح ملف الحرب الإعلامية ضد الحوثيين بجرأةٍ وفاعلية.

في لحظةٍ سياسية حساسة تراجعت فيها أصوات الجبهات، أثبتت هذه المبادرة أن الوعي حين يُنظَّم، يصبح سلاحاً لا يقل أهمية عن البندقية.

أسعد المقداد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى